اختراق تطبيق "تي".. انتهاك رقمي جديد يهدد حق النساء في الخصوصية

تسريب أكثر من 72 ألف صورة شخصية

اختراق تطبيق "تي".. انتهاك رقمي جديد يهدد حق النساء في الخصوصية
الخصوصية الرقمية - أرشيف

في واقعة تطرح أسئلة مقلقة حول أمن البيانات وخصوصية النساء في الفضاء الرقمي، أعلن تطبيق "تي" (Tea)، وهو منصة إلكترونية مخصصة للنساء لمراجعة تجارب المواعدة وتبادل التحذيرات بشأن سلوكيات الرجال، عن تعرضه لخرق أمني خطير أدى إلى تسريب أكثر من 72 ألف صورة شخصية من بيانات المستخدمين، بينها 13 ألف صورة لبطاقات هوية وصور شخصية قُدمت أثناء عمليات التحقق.

ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، هذه الحادثة التي أُعلن عنها رسميًا يوم الجمعة، سلطت الضوء على التهديدات الرقمية التي تواجهها النساء عندما يحاولن استخدام التكنولوجيا وسيلة للدفاع عن أنفسهنّ وكسر الصمت حيال العنف والإساءة في سياق العلاقات والمواعدة.

بحسب بيان شركة "تي"، تمّ رصد "وصول غير مصرح به إلى أنظمتها" استهدف صورًا محفوظة لمستخدمات التطبيق قبل فبراير 2024، وتشمل الصور المخترقة: 13 ألف صورة لبطاقات هوية وصور شخصية مُقدّمة خلال مرحلة التحقق من الحساب،  59 ألف صورة من منشورات ورسائل وتعليقات داخلية.

وأكدت الشركة أن الهجوم لم يشمل بيانات البريد الإلكتروني أو أرقام الهواتف، مضيفة أنها استعانت بخبراء أمن سيبراني خارجيين لتأمين الأنظمة، وبدأت في تطبيق إجراءات أمنية إضافية منذ يوم الإعلان.

ورغم تأكيد "تي" على أهمية خصوصية مستخدماته، فإن تسريب هذا الكم من الصور، بعضها شديد الحساسية، يكشف عن ثغرات جسيمة في الحماية الرقمية، خاصة في المراحل الأولى من تطوير التطبيق.

"تي".. منصة نسائية

تأسس تطبيق "تي" عام 2023 ليكون منصة نسائية تحاكي نماذج التقييم كموقع Yelp، حيث يمكن للنساء تبادل تقييمات عن الرجال الذين واعدوهم، بشكل مجهول وآمن، بهدف تعزيز ثقافة السلامة في المواعدة وتفادي السلوكيات المسيئة أو العنيفة.

ووفقاً لموقع "تيك كرانش"، يوفر التطبيق أدوات متقدمة، منها البحث العكسي بالصور، وفحص الأرقام الهاتفية، والتحري عن خلفيات جنائية للأشخاص، ما جعله ينتشر سريعًا بين النساء على تطبيقات مثل تيك توك، حيث روَت العديد منهنّ قصصًا عن اكتشاف شركاء سابقين على قوائم مرتكبي الجرائم الجنسية أو ذوي سوابق في العنف الأسري.

لكن المفارقة القاسية، أن التطبيق الذي سعى لحماية النساء من العنف والتحرّش، وجد نفسه مركزًا لتهديد آخر: الفضح الرقمي غير المرئي، وتسريب صور يمكن أن تُستخدم في التشهير أو الابتزاز أو إعادة النشر دون موافقة.

تكشف هذه الحادثة عن ثلاثة حقوق مهددة:

- الحق في الخصوصية، حيث لم تكن الصور التي سُرّبت مجرّد بيانات عامة، بل بطاقات هوية وصور شخصية تم تحميلها في بيئة يُفترض أنها آمنة، و هذا يشكل انتهاكًا واضحًا للمادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن عدم تعرّض أي فرد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو شرفه أو سمعته.

- الحق في الأمان الرقمي، فما جرى يُعد مثالًا حيًا على العنف السيبراني الموجه ضد النساء، خاصة عندما تستهدف الهجمات منصات تمكينية تُعطي النساء أدوات للنجاة من علاقات سامة أو استغلالية، إذ لا يمكن فصل هذا الخرق عن موجة الهجمات الرقمية التي تنال من منصات نسائية، خصوصًا حين تُرفق بيانات التطبيق بمحتوى على منتديات معادية للنساء مثل 4chan.

- الحق في الوصول إلى العدالة والانصاف، فرغم الإجراءات التي أعلنتها الشركة، يبقى السؤال الحقوقي: هل ستحظى الضحايا بأي آلية تعويض أو حماية قانونية حقيقية؟ وهل وفرت الشركة دعمًا نفسيًا أو قانونيًا للمتأثرات؟ هذا يُعيد تسليط الضوء على غياب معايير عالمية ملزمة لحماية البيانات الشخصية في تطبيقات المواعدة، خاصة تلك التي تدّعي حماية الفئات المعرّضة للعنف.

توازن الحماية والعدالة

أثار "تي" منذ ظهوره نقاشات محتدمة حول توازن الحماية والعدالة، ففي حين يشيد به كثير من النساء بصفته أداة حيوية للسلامة، ينتقده البعض باعتباره منصة يمكن أن تتحول إلى أداة تشهير دون تحقق قانوني، خاصة أن بعض الرجال أفادوا بأنهم تعرضوا لتقييمات تمس المظهر أو تروّج لرواية أحادية عن انتهاء العلاقة.

وينص التطبيق على سياسة "عدم التسامح مع التشهير"، ويُتيح للرجال طلب إزالة محتوى، لكن ما زال الغموض قائمًا حول آلية التحقق من صحة البلاغات، وضمان توازن السرديات.

ولا تعد حادثة Tea مجرد خرق بيانات، بل جزء من صراع أشمل على ملكية النساء لسلامتهن الرقمية، ففي العالم الرقمي كما الواقعي، تواجه النساء أشكالًا معقّدة من العنف، من التحرّش إلى الابتزاز إلى التعرية الرقمية.

سياسات حماية صارمة

وتُبيّن هذه الواقعة أن الحل لا يقتصر على توفير الأدوات التقنية، بل يجب أن تُرفق هذه الأدوات بسياسات حماية صارمة، وشفافية كاملة، وآليات مساءلة فعالة.

وفي النهاية، فإن استخدام النساء التكنولوجيا للحماية من العنف يجب ألا يتحوّل إلى ثغرة تؤدي إلى تعريضهن للخطر من جديد، والمطلوب اليوم ليس فقط ترميم النظام الأمني لتطبيق "تي"، بل إطلاق نقاش عالمي جاد حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية لتطبيقات المواعدة والمنصات الرقمية في حماية الحقوق الأساسية للمستخدمات، وعلى رأسها الحق في الكرامة والخصوصية والأمان.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية